بغضً النظر عن الرؤی المختلفة المطروحة فی بلادنا تجاه ای نوع من الاتصال مع زعماء امریکا، فبشکل عام یعد اللقاء بین رئیس جمهوریة العراق و الرئیس الامریکی فی مثل هذه الظروف الراهنة خطأً إستراتیجیاً و هفوة سیاسیة فاحشة ، ستتضح نتائجه للعیان فی المستقبل.
إنً أهم الادلة المطروحة فی هذا المجال، عبارة عن:
١- یمرً العراق حالیاً بأضعف فترة من تاریخه السیاسی خاصة خلال ال18 عاماً التی اعقبت سقوط صدام، حتی إنًه الیوم یفتقر للحکومة المستقرة و الجیش المستقل و البرلمان القدیر و یعیش العراق حالیاً ظروف الشغب العام و التفکک و الاخلال السیاسی و الامنی و الاقتصادی . فمن الطبیعی هنا و فی مثل هذه الظروف ، لایتمتع رئیس جمهوریة العراق نفسه بأی مصدر ظهیر قدیر یساند سلطته ، وسیکون مجرد مستمع و مؤید لکلام الطرف الآخر لیس إلا . و بعبارة اخریکان ذلک اللقاء و الاجتماع لصالح امریکا بشکل
بحت ، و لم یحمل ای انجاز بالنسبة العراق.
٢- إنً مقام رئیس الجمهوریة فی الترکیبة السیاسیة للعراق حالیاً ، یفتقر لای من الصلاحیات و هو یعتبر مقام تشریفی یؤید وجهات نظر البرلمان و مجلس الوزراء حصراً . فمن الطبیعی هنا أنْ یکون لقاء رئیس جمهوریة بهذه الکیفیة من النعوت و فی مثل هذه الظروف التی لایحظی فیها بأدنی مستوی من الدعم من قبل البرلمان و الحکومة ، ان لاتتمخض عنه أیة منفعة بالنسبة للعراق بل إنً النتیجة الوحیدة له کانت منح
مکسبا کبیراً للطرف المقابل و لاغیر.
٣- إنً اللقاء بین قادة البلدان یجری عادة عقب حصول لقاء بین الوزراء و الخبراء المعنیین ، و بعد أنً یتم الاتفاق علی جدول أعمال الاجتماع ، ذلک لان اللقاءات التی تجری علی هذه المستویات ، تکون لوضع
اللمسات النهائیة علی القرارات حصراً أو احیاناً لحل بعض العقد المتبقیة و لیس للتطرق الی القضایا بادئ ذی بدء ، و المناقشة و التفاهم حولها.
و للاسف لم یکن هذا اللقاء مفتقراً لجدول الإعمال المحدد فحسب بل حتی لم تهیئ ایة أرضیة ایضاً لحصول التفاهمات الاحتمالیة فیهکما لم یصدر ای بیان عنه حول وجهات نظر الجانبین . فی الحقیقة إنً الحوارات انحسرت حول القضایا العامة ، و انقضی اللقاء من خلال طرح وجهات نظر الجانب الامریکی (ذو
الصلاحیات الکاملة) بینما کان الجانب العراقی مفتقراً لای نوع من الصلاحیات.
٤- جاء هذا اللقاء عقب بروز وقائع مهمة کالأعتداء الامریکی السافر علی سیادة العراق (من خلال إغتیال الشهید سلیمانی) و قتل احد اکبر القادة العسکریین الرسمیین لهذا البلد بشکل متعمد و هو الشهید ابومهدی المهندس ، و قصف إحدی القواعد العسکریة للحشد الشعبی فی غرب العراق و الذی خلّف حوالی 30 قتیلا من قوات ذلک الحشد ، وکذلک عقب البیان الرسمی للرئیس ترامب القاضی بعدم الخروج من العراق و حتی تهدید هذا البلد بفرض العقوبات ، و امتناع نائب الرئیس الامریکی عن الذهاب الی بغداد (خلال لقائه بجنود القاعدة العسکریة الامریکیة فی شمال العراق أیًام رأس السنة) ، و الاهم منکل ذلک العزوف عن استقبال رئیس وزراء العراق فی واشنطن (بصفته رئیساً للسلطة التنفیذیة) علی طوال العام الماضی. فمن الطبیعی و مع وجود مثل هذه الظروف ، یعتبر اجراء برهم صالح حسب الاعراف السیاسیة و الدولیة من اکثر اللقاءات ، ذلاً بین أحد رؤساء الجمهوریة و نظیره الامریکی و الذی لم تتمخض عنه ایة نتائج لا بالنسبة له و لا بالنسبه لبلده.
٥- بغضً النظر عن القضایا التی ذکرت اعلاه ، فان هذا اللقاء جری فی ظروف کان الرئیس الامریکی من أحوج و أفقر الافراد الی إجراء هذه اللقاءات من أجل التغلب علی الضغوط الداخلیة التی اعقبت الهجوم علی العراق وکذلک الاجواء المترتبة علی استجوابه من قبل الدیمقراطیین . ای فی الحقیقة و الواقع عمل الرئیس العراقی بمثابة ملائکة الانقاذ من أجل تخلیص ترامب من الظروف الصعبة المتأزمة فی داخل امریکا، بینما هو و من خلال عمله هذا ، فقد باعاً واسعاً من مشروعیته علی المستوی الداخلی و الدولی.
٦- إنً ما یعتبر مهماً للغایة و تاریخیاً علی هذا الصعید و یعد نوعاً من الخیانة حقاً من قبل برهم صالح ، هو إنً شیعة العراق سواء فی فترة ما قبل صدام و علی عهد صدام و ما بعده کانوا من اکبر المدافعین عن الاکراد ،فی کافة المراحل من تاریخ العراق ، و حتی إنً سلطة الاکراد الیوم هی أیضاً مدینة الی حدً کبیر ، لدعم الشیعة لهم و تقسیم السلطة معهم . و هنا لابد لنا من التذکیر بالفتوی التاریخیة لسماحة المرحوم آیة الله السید محسن الحکیم القائلة بحرمة القتال مع الاکراد من قبل الحکومة آنذاک ،کما تبلور جلیا هذا الامر خاصة فی فترة هیمنة داعش المظلمة علی شمال العراق ، حیث ضحًی الشیعة بدمائهم من أجل تحریر الاکراد و الایزدیین و الفیلیین . إلا انه و مع شدید الاسف و خلال تطورات الاشهر الثلاثة الاخیرة فی العراق ، خاصة احداث الاسابیع الماضیة ، فان الاکراد و علاوة علی انهم لم یقدموا ای نوع من التعاون مع الشیعة ، فانهم فی قضیة لقاء برهم صالح و نیچروان بارزانی مع ترامب طعنوا الشیعة بالخنجر من الخلف .
و مما لاشکً فیه ، فان هذا النوع من الجفاء و التعاطی المّر لن یمحی من مخیلة شیعة العراق ابداً.
٧- إنً ما بقی مخفیاً فی هذه الاوساط هو إنً برهم صالح اساساً و قبل ان یلتقی مع ترامب بصفته رئیساً لجمهوریة العراق ، إلتقی مع الموما الیه بصفته کردیاً عراقیاً یتابع الحفاظ علی هیمنة امریکا علی هذا البلد وتحقیق استقلال و انفصال إقلیم کردستان من العراق ، و الأهم من هذاکله المکّمل للاتفاقیات السریة بین نیجروان بارزانی و الامریکان . و هذا الامر بالضبط ضاعف من مرارة هذا الاجراء فی ذائقة العراقیین.
٨- و أمًا آخر ما نذکره هنا فهو تقییم هذا اللقاء حسب وجهات نظر ایران و التبعات المترتبة علی الامن القومی للجمهوریة الاسلامیة . فللاسف ان ما یستکشف من سلسلة اللقاءات التی جرت مؤخراً بین الاکراد و المسؤولین الامریکان ، لم یکن سوی عدم المروءة و عدم الاکتراث بایران ، و اعتبار ایران سواسیة مع الامریکان فی الاعتداء علی سیادة العراق ، و تناسی دور ایران فی القضاء علی داعش ، و بالتالی الامتناع حتی عن الاحتجاج علی الجانب الامریکی فی قضیة قتل الشهید قاسم سلیمانی . و لو تغاضینا عن کلً ذلک ، فان ما یشار الیه من الهمسات فی تفویض اکبر قاعدة عسکریة فی الشرق الاوسط الی امریکا فی شمال العراق ، یعد ضربةکبری للامن القومی الایرانی وکذلک لتعاطیها المستقبلی مع المنطقة ، و فیما لو جری تحقق ذلک فسیکون منشأاً للتطورات العمیقة القادمة و حتی إنًه سیکون له تبعات واسعة النطاق
علی اساس وحدة الاراضی الایرانیة وکذلک علی اکراد المنطقة ( فی ایران و العراق و ترکیا و سوریا). فی الختام إلی الله المشتکی
*بقلم: الدکتور هادی الانصاری مؤرخ تاریخ العراق و عضو المجمع العلمی الطبی الایرانی
نظر شما